ولد فى الربيع فى بقعة حالمة لأبوين فاضلين وإخوة وأخوات رحماء فيما بينهم.
فى فجر اليوم الرابع من شهر رمضان المبارك/ 1349هـ الموافق التاسع من شهر مارس من عام 1931 فى قرية جزيرة الحجر التى اختصها الله بالازدهار والنماء، إذ يحتضنها فرع رشيد فى رفق زائد من الجنوب والغرب والشمال باعثا فيها أحلاما وردية وهدوءً وسكينة ؛ تربى فى منزل كبير لأسرة عريقة تنتسب إلى السيد الشريف إدريس عيسى منصور (جد جده)، أمير القرية والقرى المجاورة فى مديرية المنوفية. وكان والده واحدا من علماء الأزهر الشريف، جاهد بقلمه فى ثورة 1919، إذ أنشأ مجلة بالاشتراك مع زميله الشافعى اللبان، تسمى منبر الشرق. وكان يقرض الشعر حيث قال:
إن التعاون فى أزهى معانيه
سما رشاد به نحو العلا قدما
قد ازدهى غرسه فى حقل منشيه
حتى تناهت إلى الجوزا مبانيـه
وتغنى شباب القرية وقرية زاوية الناعورة بقصائده التى كان يلقيها أمام الزعيم سعد زعلول فى دوار عين الأعيان عبد العزيز بك حبيب، وهى القصائد التى سجلتها موسوعة الشعراء العرب التى أصدرها أخيرا الشيخ عبد العزيز بابطين.
جوّد القرآن الكريم وتعلم الكتابة والقراءة في ى كتّـاب الشيخ محروس حسام الدين، وفى ربوع قريته تفتحت مداركه على جمال الطبيعة بألوانها المبهجة وأنفاسها العطرة وإيقاعات آلات الرى المنتظمة وفيضانات النيل العارمة وزيارات الملوك والأعيان والتجار إلى ميناء القرية على النهر الخالد. فأنشد فيها نشيدا يردده التلاميذ والتلميذات فى طابور الصباح قبل بدء الدراسة كل يوم فى القرية يقول فيه:
جزيرة الحجر
ربيبة السماء
رجالها فهود
شقيقة القمر
ومنحة القدر
نساؤها درر
توسعت مداركه ونما خياله من القصص وحكايات الجن التى كانت تحكيها لنا ابنة عمه "صدًََِيقة" التى كانت تحكيها لإخوانها وأخواتها وأبناء أعمامها الذين يجتمعون فى ليالى الشتاء التى تدفؤها الأفران الريفية ويدور فيها البرتقال واليوسفى والفول السودانى المحمص، مما تجود به بساتينهم وحقولهم فى دار مشتركه تزيد غرفها عن العشرين.
وفى سن السادسة التحق بمدرسة المساعى المشكورة الابتدائية فى شبين الكوم بصحبة أخى الأكبر صلاح الدين الذى كان يدرس بنجاح فى المدرسة الثانوية بالمدينة ذاتها. وكان متفوقا فى الرسم والتعبير والجغرافيا، وهى الأمور التى اكتسبها من طبيعة قريته وأسرته .. وكان الأستاذ علام مدرس الرسم يقطع لوحاته من كراسته ويعلقها على لوحة الشرف فى المدرسة. أما محمود شهدى مدرس الإنجليزي والحساب والأشغال اليدوية والجغرافيا فكان فناناً تعلم منه الكثير فكان يعرض علي الطلبة لوحات من إبداعه عن القطر المصرى، ويتحكم فيها كهربائيا بالأزرار؛ فهذا يبرز المراكز الصناعية وذلك يبرز الموانىء الهامة وهكذا. وكانت تُعرض هذه اللوحات فى المعرض الزراعى الصناعى على أنها إحدى وسائل التعليم المتطورة. فأحبّ الجغرافيا من فرط إعجابه بتلك اللوحات.
وفى مدرسة شبين الكوم الثانوية تولاه الأستاذ الفنان أيوب زهران وكان يعلق لوحاته ويساعده على نحت التماثيل. وكان الرحالة العظيم محمد ثابت ناظرا للمدرسة ورئيسا لفريق الأغانى والأناشيد؛ فالتحق بالفريق. وكان عازفا على العود الفضى يعلمهم أحلى الأنغام :
إن قوسى فى يسارى
طال شوقى للنهار
وحسابى فى يمينى
كى يلاقينى قرينى
وفى الكلية الحربية الملكية ظهرت أولى إبداعاته فى الكتابة فى مجلة الكلية التى كان سكرتير التحرير فيها زميله الطالب إسماعيل شوقى، وكان قارئا نهما لكتابات خالد محمد خالد الثورية : من هنا نبدأ، ومواطنون لارعايا وغيرها حتى تخرجت فى الكلية برتبة الملازم فى يوم 11 فبراير 1952، ثم تولي قيادة إحدى الوحدات المدرعة فى سلاح الفرسان الملكى. وعندما قامت ثورة 23 يوليو 1952 شارك فيها بحصار قصر القبة بالمدرعات فى يوم 26 يوليو وما بعده، ثم تدرج فى الرتب والقيادة إلى أن شارك فى حرب العدوان الثلاثي 1956. وكان يوسف السباعى وأحمد مظهر قادة له فى وحدات التدريب. فقرأ للسباعي كثيرا من رواياته وإبداعاته. وكان رئيسا لتحرير مجلة الفرسان التى نشر فيها قصيدته الذي قال فيها :
رأسك ارفع يا أخى فلقد مضى عهد الفساد
قال نسر النيل أيضا مجدنا سوف يعــاد
إنه الغر جمالا قائل قول اعتـــــداد
هل ترى اليوم جليا موطن الطغيان بـاد ؟
وفى مايو 1958 توجه إلى الكلية الفنية العسكرية فى برنو بتشيكوسلوفاكيا وحصل منها على ماجستير فى الشئون الفنية، وهناك عبر نهر الدانوب فى مدينة براتيسلافا وأنشد فيه قصيدة قال فيها :
باسم ربك قد نبعث من العلا نبع السـلام
ومررت بتشيكوسلوفاكيا عابرا مر الكرام
نشرتها مجلة سلاح الحدود، ويحتفظ الجنرال التشيكى يان دوبيك بنسخة منها بالعربية، ويحتفظ متحف بتراتيسلافا بنسخة أخرى.
وفى عام 1964 كلفه العميد الركن محمد الجمسى بترجمة كتاب الناقلة المدرعة ب ت ر 40 فترجمته وصدر. ثم شارك فى حرب يونية 1967 رئيسا لأركان مجموعة الشاذلى؛ ثم شارك فى حرب الاستنزاف. وكانت هذه الهزيمة حافزا له على تأليف كتاب الخداع فن وتطبيق الذى شارك فى خطة الخداع فى انتصارات أكتوبر 1973 المجيدة التى كان فيها قائدا لمدرعات الجيش الثالث فى الحصار.
وهنا تفجرت لديه الحاسة الشعرية فأنشد عدة قصائد نشرت الصحف المصرية والعربية بعضها وصدر بعضها فى ديوانه الأول حصاد الربيع (2007) وفى ديوانه الثانى "وأنزل جنودا لم تروها" (2008). وفى هيئة البحوث العسكرية قدم ابتكارا هو مقدّر المسافة للدبابات السوفيتية وتم تجهيزها به حتى دخل به حرب أكتوبر 1973، وكان له أثر كبير فى إصابة دبابات إسرائيل بدقة. وكتب التاريخ الرسمى لحرب يونية 1967 وألف وترجم العديد من الكتب والمقالات فى مجالات مختلفة.
ترقي إلى رتبة اللواء الركن ثم تقاعد فى يوليو 1979، وكان قد حصل على ليسانس الآداب قسم اللغة الإنجليزية وآدابها فى جامعة عين شمس 1978 والسنة التمهيدية للماجستير في 1979 فتقدم لنيل درجة الماجستير فى الأدب الإنجليزي فى 1981 وحصل عليها فى 1984. ثم تقدم لدرجة الدكتوراه وحصل عليها فى 1993 من جامعة القاهرة. ويذكر أساتذته الدكاترة فخرى قسطندى وعبد العزيز حمودة ومجدى وهبة وسعد جمال الدين وفاطمة موسى وإخلاص عزمى وسمير سرحان فى حصولى على هذه الدرجات العلمية.. وينسب الفضل إلى الله تعالى ثم إليهم.
وفى 1981 تعاقد مع كلية الملك فهد الأمنية لتدريس اللغة الإنجليزية ومادة الخرائط الطبوغرافية، وكان للفريق محمد بن عبد الله الطويان الفضل فى رعايته منذ عام 1981 حتى 1995. وكانت مكتبة جامعة الملك سعود فى الرياض خير معين له فى دراسته للماجستير والدكتوراه. وفى الرياض حضر العديد من المنتديات الطبية والأمنية والثقافية كان آخرها مهرجان الجنادرية الحادى عشر، وكان رئيسا للجنة الإعلام ومستشارا صحفيا للمهرجان، وهو المهرجان الذى حضره الراحل الإمام محمد الغزالي وصمويل هنتنجتون وجيمس زغبى وغيره من الشخصيات العربية والعالمية. وحرر فى مجلته عامودا باسم Orient and Occident" " أى الشرق والغرب ذكر فيه مقارنات بين الشعراء العرب ونظائرهم من الغرب باللغة الإنجليزية.
وفى 1997 عاد إلى القاهرة وتعاون مع الهيئة المصرية العامة للكتاب والمجلس الأعلى للثقافة الذى قام بأمانته الدكتور جابر عصفور الذى أصدر لى حوالى عشرة كتب مترجمة منها ثلاث مختارات شعرية مترجمة وفيها اغتصاب لوكريس لويليام شكسبير. وكان لتقديم الدكتور ماهر شفيق فريد فضل كبير فى شرحها وتوضيح أبعادها ونقدها نقدا بناءً. ومازال المركز القومى للترجمة يصدر له عددا آخر من الأعمال المترجمة عن الإنجليزية ومنها نهر النيل مشاركة فى مورد نادر، وتحديات الإدارة فى القرن الحادى والعشرين وغيرهما.. وقد حصل علي جائزة رفاعة الطهطاوي عن كتاب «نهر النيل» وقد تم عقد ندوة بالصالون الثقافى لمناقشة كتاب «نهر النيل» الفائز ـ فى ترجمته العربية ـ بجائزة رفاعة الطهطاوى لعام 2011، الذى ترجمه الدكتور توفيق على منصور. ... فاستحق ان يكون فخراً لمصرنا الحبيبة