" الخواجة عبد القادر " ثورة الصوفية على الدعاة الجدد !! بقلم / محمود سعد
للعام الثالث على التوالي لم يكن لدي وقت لمتابعة جميع الأعمال الدرامية التي تعرض في شهر رمضان ولذلك أقوم باختيار عملاً واحداً فقط من الأعمال التي تعرض في وقت الإفطار لمتابعته . وللمرة الثالثة أيضا يقع اختياري على عمل من تأليف الكاتب المتميز الأستاذ / عبد الرحيم كمال وهو مسلسل " الخواجة عبد القادر " وهو عنوان موفق جداً لهذا العمل وهذا ليس بغريب على كاتب استطاع - بما قدمه من أعمال متميزة – أن يضع نفسه في مكانة مرموقة بين رموز الكتابة الدرامية أمثال ( محمد جلال عبد القوي ، أسامة أنو عكاشة ، محمد السيد عيد ، محفوظ عبد الرحمن ، صالح مرسي ) وغيرهم .
كما استطاع أيضا أن يضع بصمته الخاصة على كل عمل من أعماله مثل :-
( الرحايا ، شيخ العرب همام ) والتي يتضح فيها ويتجلى عشقه لبيئته الصعيدية وتأثره بتاريخها هذا بالإضافة إلى ولعه بالتصوف والذي ظهر واضحاً جلياً في مسلسل الخواجة عبد القادر والذي أعتبره – إن صح التعبير – ثورة من الصوفية على الدعاة الجدد والذي يحكي عن قصة حقيقية لمهندس ألماني جاء إلى مصر إبان الحرب العالمية الثانية وأشهر إسلامه فيها ،
وبعيداً عن القصة الحقيقية نتناول بالتحليل ملمحاً هاماً من ملامح العمل ألا وهو الملمح الديني ولكني أحب أن أشيد ببعض الوجوه المشرفة في هذا العمل وعلى رأسهم الفنان القدير / يحي الفخراني والذي قاد العمل بحرفية شديدة تثبت أنه ليس مجرد ممثل يؤدي دورا فقط ولكنه يعيش ويتعايش مع العمل حتى يجسده واقعا ملموسا ولعل أهم ما ميز أدائه في الخواجة عبد القادر هو اللغة التي بعدت تماماً عن تلك اللغة التي تعودنا عليها من كل النجوم الذين جسدوا دور " الخواجة " سينمائياً وتلفزيونياً قديماً وحديثاً ، وكان الاختيار الموفق هو اختيار الفنانة السورية الجميلة / سلافة معمار لأداء دور زينب الفتاة المصرية الصعيدية التي اجتمعت فيها صفات من النادر أن تجتمع في امرأة ، ولا أريد أن أنسى الطفل الرائع / أحمد خالد والذي جسد دور كمال في مرحلة الطفولة والذي لعبه الفنان القدير / محمود الجندي ، أما المفاجئة الكبرى في هذا العمل فهو المخرج / شادي الفخراني والذي استطاع أن يقدم لنا عملاً متميزاً من كافة الوجوه وإن كنت أشفق عليه من الأعمال التي سيقدمها مستقبلا بعد هذا العمل الذي أظن أنه سيحتل مكانه متميزة في تاريخ كل من اشترك فيه .
وحتى لا أطيل أكثر من ذلك سأتحدث عن الملمح الذي جذبني جداً في هذا العمل والذي اخترته لأدلل به على تميز العمل ألا وهو الملمح الديني والذي يبرز فيه الصراع بين الفكر الوسطي المعتدل المتمثل في الصوفية والفكر المتطرف المتمثل في الدعاة الجدد – إن صح التعبير – ويمثل الفئة الأولى الخواجة عبد القادر ، والشيخ عبد القادر السوداني ، وفضل الله ، وكمال هذا بالإضافة إلى جلساء الخواجة في الاستراحة ،
بينما يمثل الفئة الثانية – فئة الدعاة الجدد – الشاب عبد القادر كمال فقط ، وهذا الأمر هو إشارة إلى قوة كلا الفئتين بالإضافة إلى طبيعة كليهما فبينما الأشخاص الذين يمثلون الصوفية كثر ومتنوعين في أشكالهم وألوانهم وفي نفس الوقت متحدين في الهدف تجد الفئة الأخرى قلة وأحادية في تفكيرها ، هذا من جانب ومن جانب آخر إذا قمنا بعمل مقابلة أو مقارنة بين الثلاثي عبد القادر :-
1- الشيخ عبد القادر – المتصوف السوداني – تجده رجلاً عابداً ذاكراً شاكراً لله يتعامل مع أتباعه بالحب أولاً ثم بالحكمة والموعظة الحسنة .
2- أما الخواجة عبد القادر أو " هربرت دوبرفيلد " فهو مهندس إنجليزي يعيش في لندن في فترة الحرب العالمية الثانية وهو في البداية ليس إلا شخصية مستهترة بكل شيء سكير بالإضافة إلى ذلك فهو لا يعتقد في وجود إله – على الرغم من انتمائه للمسيحية – ولذلك يرى في الموت خلاصاً له من كل شيء ، وعلى الرغم من كل هذه السلبيات تظهر هناك إيجابية مهمة كان لها دور في تغيير مسار هذه الشخصية ألا وهي عشقه للموسيقى والذي كان مفتاح دخوله في الإسلام بعدما استمع إلى الإنشاد الصوفي وطرب له على الرغم من وجود حاجز اللغة ، ومن بين أسباب دخوله في الإسلام هو إعجابه الشديد بشخصية فضل الله العامل السوداني المخلص والأمين في عمله والصادق مع الناس في معاملاته ، هذا بالإضافة إلى رؤيته للشيخ عبد القادر في المنام قبل أن يلتقي به في الواقع ويسلم على يديه ويعطه اسمه فيتحول من " هربرت دوبرفيلد " إلى " الخواجة عبد القادر " والذي يتحول - بعدما ينتقل إلى مصر – إلى ولي وأهم ما يميزه هو تعامله مع الناس ببساطة وتلقائية فيهدي الله علي يديه عدد كبير من الناس أغلبهم كانوا من مرتكبي الكبائر ، كما أنه استطاع أن يقف في وجه الظلم والفساد المتمثل في " عبد الظاهر " كما أنه لم يخجل من أن يجلس مع أطفال في سن أحفاده في الكتاب ليتلقى القرآن الكريم من الشيخ وليس هذا فقط بل إنه يتفق مع الطفل كمال على أن يحفظه القرآن الكريم في مقابل أن يعلمه اللغة الإنجليزية هذا بالإضافة إلى أنه لم يدعي العلم قط .
3- أما عبد القادر كمال فهو ليس إلا مدعي أو دعي لم نره يجلس إلى عالم أو حتى يقرأ كتاباً بالإضافة إلى أنه على أتم استعداد لأن يبيع الدين مقابل أي شيء وبالفعل يفعل ذلك غير مرة كانت الأولى في بداية المسلسل عندما خرج بصحبة رفاقه لهدم مقام الخواجة بدعوي أن ذلك شرك بالله وسرعان ما يظهر السبب الحقيقي وهو أنهم كانوا مأجورين لحساب يوسف عبد الظاهر لهدم المقام لأن بالقرب منه مقبرة فرعونية يريد أن يستولي عليها ، ومرة أخرى عندما يتفق مع يوسف عبد الظاهر – بعدما يعرف بين العامة كداعية – لدعمه في الانتخابات في مقابل بعض الأموال أو الخدمات . وهو ما فعله أدعياء اليوم الذين استغلوا الدين في كل شيء فهم يشترون الدنيا بالدين من أجل مكاسب زائلة وهم بذلك يكونون قد خسروا الدنيا والآخرة " وذلك هو الخسران المبين " .