العائد
في جنح الظلام عاد إلى المنزل الذي غاب عنه طويلاً بدأ
يصعد درجات السلم المتهالكة في بطء شديد وفي حذر خوفاً من أن يشعر به أحد .... !
فقد عاد من سفره لا يحمل إلا حقيبته الشخصية ...
مرت عليه هذه الفترة وهو في غياهب سجن بتهمة لم يرتكبها ... أربع سنوات مرت عليه حفظ
فيها أسماء رفاقه في السجن من مختلف الجنسيات .....
مد يده في حقيبته استخرج مفتاح شقته فتح لباب في هدوء شديد أخذ يدور ببصره في أرجاء
المنزل ...
دلف في هدوء حذر إلى حجرة ولديه التوأم ...
وقف برهة بين سريريهما متأملا ملامحهما التي لم تتغير كثيراً ... جلس إلى جوار الأول وأهداه
قبلة في جبهته
وفعل ذلك مع الأخر دون أن يشعرا به ....
غادر تلك الحجرة ... متوجهاً إلى الحجرة المقابلة ..
دلف إليها في هدوء فإذا بها مستلقية على سريرها
تحتضن بين ذراعيها وسادة لطالما حدثته عنها في
خطابتها له ....
أخذ يتحسس بأنامله شعرها الذي هجرته نعومته الساحرة
وأصبح متشابك مجعدا .. وبدت هي كالوحش ...
لقد تحولت إلى جسد متهالك ...
وجهها شاحب ... ليس هو ما كان يوما مفعما بالحياة .
بشرتها جافة ... ليست هي ما كانت وردية ...
بدأ يمسح بيديه هذا العرق الذي كسا وجهها ...
هبت فزعت من ثباتها .. وبعينين مرتجفتين دققت النظر في هذا الوجه .. ! لم تصدق أنه عاد ..
لم تتوقع أن ترى هذا الوجه ثانية فبعده عنها حولها إلى أطلال إنسان ...
اعتدلت جالسة على سريرها .. أخذ يديها بين يديه قبلهما
وبهما أيضاً جذبها إلى أحضانه وضمها إلى صدره ...
أخذ شهيقاً كبيراً كما لو أنه كان في قاع بحر يوشك
أن يموت غرقاً وصعد إلى أعلا .. أتبعه بزفير لا يقل قوة
ولكن في بطء شديد ..
أما هي فبدت وكأنها تعود إلى الحياة مرة ثانية ..
تماما كما وصفت له حالتها في بعده عنها في إحدى خطابتها
" .. أنا في بعدك جسد بلا روح ، نهر بلا ماء .. "
كانت هذه هي حالته أيضاً كان ما يساعده على حياته هو ذكرياته التي لا يزال يحملها عنها ....
كل هذه الأفكار وهما لا يزالان ملتصقين كفرد واحد يشعر كلا منهما بنبض الأخر .. لا تكاد
تفرق بينهما وكأن قلبيهما امتزجا معا وتداخلا .. وكأنهما لو افترقا لماتا ...
فجأة سمع صوتاً غليظاً قائلاً : استيقظ ...
وجد نفسه لا يزال جالسا في حجرة الطعام في السجن .