الحاجة فاطمة
تتكور داخل جلبابها الفضفاض .. تجلس أمام بيتها الذي يشبه المغارة .. تنظر للمارة بعينين تتأرجحان كبندول الساعة.. تستجدى الشفقة حتى يعطيها كُرماء القرية بعضا مما فاض عنهم من طعام وبعض مستلزمات الحياة.. فهي بلا ولد أو أهل.
تنتظر الموت الذي لا يأتي رغم الفقر والمرض حتى إنها فقدت كل شحومها وأصبحت مجرد هيكلا عظميا خاويا يكاد يتكسر من فرط هشاشته .. دق بابها شاب صغير ممن يتوسمون البركة بالعجائز وأصحاب العلل.. ترجاها أن ترقيه وتدعو الله له بالشفاء بعدما حار الأطبة في أمره ..لعل الله يتقبل منها .. وكعادة أهل الريف سكن الشاب بين يدي الست فاطمة .. قرأت عليه الفاتحة عدة مرات .. فهي لا تعرف من القرآن غيرها.
ثم أخذت تبتهل إلي الله أن يشفيه .. وبيد حانية ربتت علي ظهره وقالت له هيا انهض .. فقد استجاب الله الدعاء..
نهض الشاب وقد شعر بدبيب العافية يسري في جسده .. انتفض وكأنه ينفض المرض.. ورجع إلي داره ليبشر أهله ببركات الست فاطمة ، فرح الأهل وأقسمت الأم أن تهدى تذكرة عُمرة للست فاطمة .. كانت المفاجأة كبيرة لفاطمة عندما ألبسوها الرداء الأبيض وسارت في موكب من المودعين حتى باب الطائرة .. وعند عودتها ازداد موكب الاستقبال بعد الدعاية الخرافية التى نشرها ذلك الشاب الذي شعر علي يديها بأنها أهدته الحياة.. تسابق أهل القرية في تزيين بيتها وإضاءة كل ركن فيه ..عادت فاطمة وكأن عمرها تراجع عشر سنوات .. عادت والزهو يملؤها .. فالكل يطلب التبرك بها بعد أن كانت كومة عظام مهملة ..
امتلأ البيت بأجود أنواع الفاكهة والطعام .. فالكل يتبارى في التقرب والتبرك بالحاجة فاطمة ..
انتعشت فاطمة واكتسي عظمها لحما .. وامتلأ بيتها بالوافدين المحملين بالخير
ولكنها لم تكتفِ بتلك الهبات .. وقررت ان يكون للبركة ثمن نقدي إلي جانب العيني .. همست في أذن أول وافد في صبيحة قرارها بأن تكون بركتها كأغلى الأطباء كشفاً .. فأعطاها الوافد مائة جنيها .. نظرت إلي الورقة كثيراً وكأنها تحتكرها.. دستها في جيب سري في جلبابها الفضفاض وأطلقت البخور وبدأت طقوس الدجل .. فهي لابد وان تتقن دورها وتضفي هيبة للمكان وللبركات التى تنساب من بين أصابعها..
في كل يوم تتعاظم طلباتها .. عرفت رقم ألف وما بعده من آلاف وكسورها .. فالمئات تضاءلت إلي جانب صيتها الذي طار في أجواء الكثير من البلاد المجاورة ..
ظلت سنوات علي هذا الحال .. تكنز الأموال وكأنها تأمل في حياة أخري بعد حياتها.. حتى جاءها وافد يحمل حافظة مكتظة بالنقود وأخرجها أمامها ووعدها إنْ خرج مجبوراً من بيتها فسوف يهبها كل ثروته .. وألقي بالحافظة في حجرها .. التقطتها بلهفة وأخذت تداري فرحتها وتغطى وجهها بستار من عدم الاكتراث.. سكن الرجل بين يديها .. وبدأ سحره يطغى علي سحرها .. فكلما تمتمت بالدعاء .. همس هو بكلمات المدح حتى أيقظ الأنثى في داخلها .. ولكنها ساومت نفسها وقاومت مشاعرها .. فما هي إلا عجوز حباها الله بالبركات التى تدر عليها الخير الكثير .. انتهت من تمتماتها .. وهبَّ الرجل يشكرها علي أنها وهبته البركة والشفاء .. جلس أمامها يتغزل في حنان يديها .. وسحرها الذي لا يستطع أحد أن يقاومه .. واشتكى لها الوحدة .. وأن كلاهما يحتاج إلي أنيس .. كانت كلماته كالسحر الذي جعلها توافق علي الزواج به وأمهرها بثلاثة عمارات في ارقي الأحياء .. عاشت فاطمة عمرا جديداً .. صارت من أصحاب الثروات .. أطمئنت .. وفي كل يوم يغدق زوجها عليها المال والمتعة .. وفي ليلة غامرة بالمتعة.. ملفوفة بسكر الحياة .. استيقظت فاطمة .. فلم تجد زوجها ولا مالها .. واكتشفت أن ما لديها من أوراق .. ما هي إلا أملاك علي ورق .